الجسر الجديد

الخبر مقدس والتعليق حر..

نرحب بكم في الجسر الجديد ... الطريق الجماعي ...
على درب التنمية المستدامة .. وتفاعلا مع التغيير المنشود...

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الجسر الجديد

الخبر مقدس والتعليق حر..

نرحب بكم في الجسر الجديد ... الطريق الجماعي ...
على درب التنمية المستدامة .. وتفاعلا مع التغيير المنشود...

الجسر الجديد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الجسر الجديد

منتدى جهوي تنموي مستقل شامل يصدر من إقليم الخميسات/المغرب


    المحددات الظرفية والثوابت التاريخية لثورة الملك والشعب في المغرب

    aljisraljadide
    aljisraljadide
    Admin


    عدد المساهمات : 926
    نقاط : 22467
    تاريخ التسجيل : 19/11/2010
    العمر : 51

    المحددات الظرفية والثوابت التاريخية لثورة الملك والشعب في المغرب Empty المحددات الظرفية والثوابت التاريخية لثورة الملك والشعب في المغرب

    مُساهمة من طرف aljisraljadide 2012-08-21, 15:03

    المحددات الظرفية والثوابت التاريخية لثورة الملك والشعب في المغرب

    ذ. بنعيسى احسينات

    أمام تعدد الملاحم المغربية، وتنوع البطولات والمواقف الحاسمة للشعب المغربي وملكه، ورغم رصيدنا الحضاري الثمين والغنى وثراء تاريخنا بالأمجاد والمفاخر، فإن ثورة الملك والشعب بكل المعايير الوطنية والمعايير التاريخية ستبقى على الدوام، معلمة متميزة، شديدة الخصوصية على طريق الكفاح الوطني قل نظيرها عند الشعوب والأمم.

    وحتى لا يكون الحديث عن ثورة الملك والشعب في المغرب خطابا وتكرارا لما قيل عن هذه المناسبة العظيمة، سأتحدث عن ثورة الملك والشعب لا من داخلها بكل جزئيتها وخصائصها، بقدر ما سأتحدث عن إطارها التاريخي العام، أي عن محدداتها الظرفية وثوابتها التاريخية، لأن ثورة الملك و الشعب أصبحت جزءا من تاريخنا، إنها تراثنا الحي الجدير بأن يكون حيا في ذاكرة الأجيال، الملتصق بالحاضر، المتمثل للماضي، والملهم للمستقبل.

    ودورنا اليوم، هو تخليد هذا التراث النضالي الذي يسجل كفاح أبناء الشعب المغربي ملكا وشعبا، من أجل الاستقلال والكرامة والتقدم.

    إن ثورة الملك والشعب، تتمثل، من جهة، في تحدي و تصدي المغفور له محمد الخامس، لغطرسة، و تهديدات " جوان" و " كيوم " و رفضه لكل تنازل أو مساومة لسلطات الحماية، مما أدى إلى خلعه و نفيه مع أسرته في 20 غشت 1953. و من جهة أخرى، انتفاضة الشعب المغربي، وقيام الثورة المقدسة الشاملة المنظمة و الموجهة سياسيا وايدولوجيا، المتمثلة في أعمال الحركة الوطنية السياسية و المقاومة المسلحة و حركة الفداء و جيش التحرير، التي انطلقت في خريف سنة 1953 بعد حوالي شهرين من نفي الملك الراحل محمد الخامس. ونعرف أن هذه الحركة قد انتهت عمليا في خريف سنة 1955 مع عودة محمد الخامس، وإعلانه الاستقلال إثر وصوله إلى المغرب بكلمته الشهيرة: " لقد انقضى عهد الحجر والحماية، و بزغ فجر الاستقلال والحرية".

    لقد دامت حركة المقاومة إذن ثلاث سنوات فقط، إنها مدة قصيرة في حياة الشعب، ولكنها مع قصرها أنجزت مهمتها وحققت الأهداف المتوخاة منها، وهي: عودة محمد الخامس، رمز الوحدة والمشروعية الوطنية لدولة المغرب، والاعتراف بالاستقلال.

    وبذلك كان المغرب في مقدمة الدول الإفريقية، التي حققت استقلالها بقوة السلاح، وفي أسرع وقت و بأقل خسارة. وهذا الانجاز السريع، الهائل، هو نتيجة لتلاحم الملك والشعب، ونتيجة لفعالية تنظيمات المقاومة وبطولات رجالها ومؤازرة الشعب كله لها.

    سأتحدث الآن عن ثورة الملك والشعب ضمن إطار تاريخي عام، وهذا ليس مما يقلل من أهميتها. بل بالعكس، إن اندراجها ضمن إطار تاريخي مغربي عام، معناه أنها ليست ثورة يتيمة أوصرخة في فراغ ولا ثورة رد فعل مؤقت، بل معناه أنها ثورة أصيلة متأصلة تجد كل مقوماتها في تاريخ المغرب الأصيل، وليست طارئة عليه، ولا مستوردة إليه.

    ولكي أبرز أهمية هذا النوع من النظرة التاريخية العامة لثورة الملك والشعب سأبدأ أولا، باستعراض أهم المحددات التاريخية الظرفية، الداخلية منها والخارجية التي أسست وهيأت ثورة الملك والشعب من أجل الاستقلال.

    إن ثورة الملك والشعب التي انطلقت في خريف سنة 1953، كانت تتويجا للكفاح الوطني الذي قاده الملك محمد الخامس والحركة الوطنية، والشعب المغربي منذ الثلاثينات، انطلاقا من الظهير البربري الصادر في 16 مايو 1930.

    وقد تكفي الإشارة هنا، إلى أن عملية عزل محمد الخامس ونفيه سنة 1953 قد أخرجتها سلطات الاحتلال إخراجا مسرحيا جعلت فيه من زعماء القبائل، العملاء للاستعمار، الشخصيات البارزة على خشبة المسرح.

    إذن فمن الضروري بمكان اتخاذ الحدث التاريخي المعروف بالظهير البربري، رغم ما قيل ويقال عنه، محددا تاريخيا ظرفيا أساسيا، نقرأ على جهاته المختلفة الأحداث التاريخية التي عرفها المغرب قبل وبعد فرض الحماية عليه، إلى حين استقلاله. و في الموضوع الذي يهمنا هنا، يمكن التأكيد على أنه بدون اعتماد هذا المحدد، أي الظهير البربري، سيبقى الحديث عائما مقطوع الصلة بالواقع.

    إن الظهير البربري كان يراد به، كم يفهم في حينه، فصل المغاربة الذين هم من أصل "بربري أمازيغي" عن الدين الإسلامي، وإخضاعهم لحكم العرف المسمى بالأمازيغية " إزرف" وللأحكام القضائية الفرنسية، وبالتالي محاولة فرنستهم.

    من هنا فإن الأبعاد السياسية والدينية والثقافية والحضارية لهذا الظهير، كانت واضحة الخطورة على المغرب؛ واضحة الخطورة على كيانه التشريعي، وكيانه كدولة واحدة، وكشعب واحد تتحدد هويته الثقافية والحضارية بانتمائه إلى القارة الإفريقية وإلى الوطن العربي بأبعادهما الجغرافية التاريخية و البشرية والدينية والثقافية.. لخ.

    إن عمل سلطات الحماية، من خلال سياستها "البربرية" تلك، القائمة على مبدأ " فرق تسد" لم يسر في الاتجاه الذي كانت تسير عليه الأمور في الواقع. كان عملها في الحقيقة يسير في اتجاه معاكس تماما. ولذلك وجدت سياستها "البربرية" نفسها أمام مقاومة صلبة، صامدة. ليس من العرب فحسب بل من "البربر" أيضا. إنهم المغاربة جميعا الذين هبوا للدفاع ضد الاستعمار و سياسته، مباشرة بمجرد الإعلان عن"الظهير البربري" وقد سجلت مقاومة " الظهير البربري " من طرف الشعب المغربي، الميلاد الرسمي للحركة الوطنية. تلك الحركة التي ارتكز دورها في إيقاد الوعي الوطني في المغرب الحديث والتهابه. وبرنامج الحركة الوطنية، التي قامت كرد فعل مباشر ضد"الظهير البربري" سيتمحور حول الدفاع عن ما استهدف ذلك "الظهير" مسه والنيل منه، وهو الدفاع عن وحدة الكيان المغربي، وعن هويته العربية السلامية الإفريقية، وعن سيادة الملك وشرعيته، وبما أن معاهدة الحماية التي فرضها الاستعمار الفرنسي على المغرب تنص هي نفسها، من جهة "على إنشاء نظام جديد في المغرب قوامه إحداث إصلاحات في الميادين الإدارية و القضائية، و التعليمية، والاقتصادية، والمالية و العسكرية...الخ..." و تنص، من جهة أخرى، على أن " هذا النظام الجديد سيحافظ على الوضعية الدينية، وعلى حرية الملك ومكانته الشرعية المعتادة، وعلى تطبيق الدين الإسلامي، وصون المؤسسات الإسلامية" (المادة الأولى من المعاهدة).

    وبما أن هذه المعاهدة تنص على هذا وذاك، فقد انطلقت الحركة الوطنية، من كون سلطات الحماية قد أخلت بالتزاماتها، فعلاوة على أن سياستها البربرية تمس مسا خطيرا ب "الوضعية الدينية" وب "مكانة الملك الشرعية" ونستهدف ضرب الكيان المغربي في الصميم، أي في وحدته الوطنية، فهي اعني سلطات الحماية لم تقم بما وعدت به من إصلاحات تحديثية.

    من هنا ارتكزت الحركة الوطنية في مقاومتها ل "الظهير البربري" على ثلاثة مبادئ، وهي: وحدة الأمة المغربية، وهويتها العربية الإسلامية الإفريقية، وسيادة الملك محمد الخامس بوصفه ملك المغرب ككل والمجسم لوحدته. هذه المبادئ التي سيتأسس عليها الوعي الوطني في المغرب، خلال فترة الثلاثينات والأربعينات والخمسينات حتى عودة محمد الخامس، والاعتراف للمغرب بالاستقلال سنة 1956.

    فإلى جانب هذا، نجد أن ثورة الملك والشعب لم تكن تتويجا للكفاح الوطني الذي قادته الحركة الوطنية منذ الثلاثينات، بل كان أيضا تتويجا للتطور الداخلي الذي عرفته هذه الحركة نفسها: إن الانتقال من "دفتر المطالب الإصلاحية" الذي قدمته الحركة الوطنية الفتية سنة 1934 باسم "مطالب الشعب المغربي" وهي مطالب تستهدف خلق وضعية متطورة تمهيدا للاستقلال، إن الانتقال من هذه "المطالب" إلى "عريضة الاستقلال" سنة 1944، التي ترفض المحاولات الإصلاحية الجزئية، ونطالب بالاستقلال، جاء نتيجة لنمو وتطور الحركة الوطنية وانتشارها، مما مكن تجدر الحركة الوطنية داخل صفوف الجماهير، وظهور قيادات محلية وإطارات وسطى من أبناء الطبقات الشعبية، مما أعطى لقيادة الحركة الوطنية التي كانت في الأصل نخبة مثقفة، تنتمي إلى البرجوازية الحضرية المدينية(سكان المدن)، قاعدة صلبة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة تصعيد القمع الذي تمارسه سلطات الاحتلال.

    وبالمثل فإن الانتقال من عريضة الاستقلال سنة 1944 إلى الكفاح المسلح سنة 1953 كان نتيجة لتطور وعي هذه الأطر الشعبية الشابة داخل الحركة الوطنية التي ألقى بقيادتها السياسة في السجون خصوصا بعد أزمة 1951 بين القصر والإقامة العامة حيث "صرح كيوم " بقوله: ( بعد أن قطعت الذنب، ما بقي إلا الرأس ويسهل قطعه ). بمعنى، كان "كيوم" يصور المغرب بالحية، ذنبها هو الوطنيون، ورأسها هو محمد الخامس. هذه الأزمة التي توجتها سلطات الاحتلال بحادث 20 غشت 1953 المشئوم، حادث نفي محمد الخامس مع أسرته، و تنصيب آخر غير شرعي مكانه (ابن عرفة).

    إن هذه الأطر الوطنية الشابة قد وجدت نفسها مضطرة لحمل الأمانة: أمانة التسيير بعد اعتقال القيادة الفكرية، وفي نفس الوقت، وجدت نفسها مضطرة كذاك إلى الرد على التحدي الذي قامت به سلطات الحماية بعزل محمد الخامس الملك الشرعي بعمل تاريخي في مستوى هذا التحدي.

    إن ثورة الملك والشعب، كانت في الواقع حلقة من سلسلة العمل الوطني، السلسلة المتصلة الحلقات انطلاقا من 1930. هذه السلسلة في الحقيقة تمتد جذورها في ما قبل الظهير البربري1930 إلى ما قبل الحركة الوطنية السياسية، إلى ما قبلها من أعمال تدخل في إطار مقاومة الاحتلال قبل معاهدة الحماية و بعدها، وقد خلد التاريخ أسماء لامعة لمجاهدين أبطال قادوا معارك المقاومة المسلحة ضد جيوش الاستعمار الفرنسي و الاسباني من سنة 1907 إلى 1934 نذكر من بينهم، بكل فخر واعتزاز، على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ ماء العينين في الصحراء، وابنه أحمد الهيبة بناحية مراكش، ومحمد أمزيان بالشمال، وموحا احمو الزياني في الأطلس وخنيفرة، والبوعزاوي في الشاوية، و أبو قاسم النكادي في تافيلالت، وعسو باسلام بآيت عطا، والمدني الخصاصي في سوس...وعلى رأس القائمة البطل العظيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي قهر جيوش دولتين من أعظم الدول الاستعمارية في عصره، وهما: فرنسا واسبانيا. وهو أول من ابتدع جيش التحرير وابتكر حرب العصابات المنظمة في العصر الحاضر. وبعده (هوشي منه) و(ماوتسي تونغ) و( تيتو) و (شي غفارة) من تلامذته الذين اقتبسوا منه تحرير بلادهم، في الفيتنام، والصين أويوغوزلافيا أوبوليفيا وكوبا في أمريكا اللاتينية.

    في هذا الصدد، نقدم شهادة تاريخية، في حق ابن عبد الكريم الخطابي، صرح بها "ماوتسي تونغ" لوفد "فتح" من منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1971، قال: "رفقائي الأعزاء، أتيتم تزورونني لكي أحدثكم عن حرب التحرير الشعبية. في حين أن في تاريخكم المعاصر، يوجد ابن عبد الكريم الخطابي الذي هو من المصادر الرئيسية الذي تعلمت عنه حرب التحرير الشعبية".

    هذا التصريح عن قيمة ابن عبد الكريم الخطابي، لا يحتاج إلى تعليق، لقد استطاع بواسطة وسائله القليلة أن يحرر أربعة أخماس منطقة الاحتلال الاسباني في الشمال، كما كاد أن يحرر فاس، وهزم المارشال " ليوطي " حتى اضطرت الحكومة الفرنسية إلى عزله واستبداله بالمارشال "بيتان" معززا بأكبر جنرالات فرنسا، كما هزم أوأهلك أعظم جنرالات اسبانيا، وضباطها الكبار، خصوصا في معركة أنوال الشهيرة، التي خسر فيها الاسبانيون حوالي 20.000 جندي.

    ولم تنته هذه الحرب لصالح فرنسا واسبانيا، إلا بعد أن عبأتا مجتمعتين 800.000 جندي كما سخرتا أكثر ما لديهما من مدفعية ودبابات وطائرات، وفرضتا حصارا شديدا مكثفا بأسطوليهما على شواطئ المغرب الشمالي بمشاركة الأسطول الانجليزي حتى لا يتسرب السلاح إلى المنطقة التي أصبحت معزولة برا وبحرا، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. وقد كان الأسطول البريطاني يلعب آنذاك الدور الذي يلعبه حاليا الأسطول الأمريكي في شواطئ لبنان.

    وهكذا بعد قتال شديد، ونضال مجيد، استمر من 1921 إلى 1926 ورغم شجاعة المجاهدين واستماتتهم وقع محمد بن عبد الكريم الخطابي في الأسر، وتم نفيه مع أسرته إلى جزيرة "الرونيون" في المحيط الهندي.

    وهكذا، ظل المغرب يحارب، ويقاوم من سنة 1907 إلى 1934 تقريبا 28 سنة. وهي معركة متواصلة، لم يحتفل الفرنسيون بإنزال المغربة سلاحهم إلا سنة 1934.

    ومن سوء حظ الاستعمار أنه لم تكد المقاومة المسلحة تنتهي حتى كانت المقاومة الوطنية السياسية، وحركة الفداء في المدن قد خلفتها انطلاقا من الثلاثينات. أي انطلاقا من مقاومة "الظهير البربري".

    إن ثورة الملك والشعب، لم تتحدد بمحددات ظرفية وطنية خارجية، هناك على سبيل المثال لا الحصر، ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام الأمم المتحدة، و تأسيس الجامعة العربية سنة 1945، واستقلال معظم الدول الشرق العربي، وتأسيس "مكتب المغرب العربي" بالقاهرة سنة 1947، و" لجنة تحرير المغرب العربي" برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي في نفس السنة. هذه السنة التي تصادف وتزامن خطاب طنجة للمغفور له محمد الخامس، في 7 أبريل 1947، الذي أكد فيه حق المغرب في الحرية، والاستقلال، ورغبته في الانتماء إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة، وقد حقق هذا الخطاب مكاسب مهمة جدا لقضية الاستقلال في الداخل والخارج:

    ففي الخارج، ازداد اهتمام المحافل الدولية بكفاح بلادنا وتعاطفها مع قضيتنا العادلة.

    وفي الداخل، كان رد فعل فرنسا منطلقا لوثبة نوعية جديدة في مسيرة الاستقلال، إذ أن سياسة القمع والمضايقات التي ينهجها الجنرال "جوان" ضد كل من الملك والوطنيين المناضلين، لم تزدهم جميعا إلا التحاما وثباتا في الاستمرار على خطتهم، ولم تزدهم إلا عزيمة في التحدي استعدادا للمواجهة الفاصلة. هذا، بالإضافة إلى الثورة المصرية سنة 1952 و اتجاهها التحريري وتوجهاتها العربية، وبالتالي دور مصر جمال عبد النصر الإعلامي والمادي (السلاح)... خصوصا في بداية انطلاقها. وأخيرا هناك أيضا دور الأحرار الفرنسيين داخل المغرب وخارجه.

    فإذا كانت كل هذه المحددات الظرفية الداخلية والخارجية تفسر نجاح ثورة الملك والشعب في تطبيق أهدافها بفعالية قصوى وفي أقصر مدة وبأقل خسارة فإنها لا تفسر أوعلى الأقل لا تكفي وحدها في الإجابة على السؤال الأساسي التالي:

    ما الذي مكن ثورة الملك والشعب لسنوات 1953-1956 من محدداتها الظرفية تلك؟ ما الذي جعلها فعالة عامة سريعة التطور، شعبية إلى أبعد حد، في وقت لم تكن فيه حركات المقاومة التي من هذا النوع، قد انتشرت بعد في العالم الثالث المستعمر آنذاك؟ إذن كيف نفسر خصوصية الفعالية والشمول في ثورة الملك والشعب موضوع حديثنا؟

    هذا السؤال، هو في الأساس سؤال نظري، موجه إلى التاريخ، تاريخ المغرب وبعبارة أخرى، موجه إلى الثوابت التاريخية لثورة الملك والشعب، ونعني بهذه الثوابت، المرتكزات الثابتة التي لا تتغير بتغير الأحوال والأحداث، والتي تشكل المقومات الجوهرية للكيان المغربي عبر تاريخه الطويل.

    ومن أهم هذه الثوابت:
    1) تكوين الدولة الوطنية واستمرارها في المغرب منذ القديم، خصوصا، منذ الأدارسة إلى اليوم.
    2) ثبات وأصالة الخريطة الجغرافية للمغرب.
    3) الشرعية الوطنية للدولة في المغرب.
    4) الطابع المحارب والمقاوم للدولة المغربية وللشعب المغربي.

    هذه الثوابت الأربعة كامنة في وجدان ولا شعور المغاربة جميعا، بل كامنة داخل خيالهم الجماعي، إنها جزء من شخصيتهم وهويتهم التي لا تتغير عبر التاريخ.

    ومهمتها هنا ليس تحيل هذه الثوابت وتفسيرها بل سنقتصر على إبرازها وتوجيه الاهتمام إليها من خلال تأثيرها في ثورة الملك والشعب.

    لننتقل الآن إلى هذه الثوابت، وكيف عملت كلها في نجاح ثورة الملك والشعب، في تركيبها وفاعليتها وأهدافها، حتى نتمكن من الإجابة على السؤال الأساسي الذي طرحناه سابقا:
    1.أول هذه الثوابت: تكوين الدولة الوطنية واستمرارها في المغرب منذ القديم، خصوصا، منذ قيام دولة الأدارسة، هذه الدولة كانت وطنية، بمعنى أن القائمين بها كانوا من سكان المغرب أنفسهم، ولم يكونوا قط دخلاء على المغرب، ولم يخضع المغرب قط لحكم أجنبي، كحكم البويهيين أوالسلجوقيين في بغداد، أوالممالك في مصر أوالأتراك في الجزائر وتونس.

    فالدولة في المغرب كانت دائما من أبناء المغرب، كانت دولة من المواطنين المغاربة، حتى المولى إدريس فقد قدم إلى المغرب كفرد. أوقد قامت الدولة الإدريسية على ساعد القبائل التي اتخذت منه رمزا دينيا وبالتالي زعيما سياسيا يرأس دولتها هي وليس دولته هو، ولذلك كانت الدولة الإدريسية دولة سنية مالكية، أي على مذهب المغاربة وليس على مذهب إدريس الشيعي.

    وعلى كل، فإن الدولة المغربية إنما برزت مكتملة الكيان قوية السلطان مع المرابطين الذين نضجت على يديهم أهم الثوابت التاريخية في المغرب وفي مقدمتها الدولة الوطنية والوعي الوطني في المغرب.

    إن الدولة الوطنية المغربية بوعيها الوطني، استمرت منذ الأدارسة إلى اليوم، على شكل سلسلة متصلة الحلقات، يتخللها ضعف ووهن، ولكنها لم تعرف انقطاعا. فلم يخضع المغرب بعد الأدارسة، لا للخلافة العباسية في بغداد، ولا للخلافة الأموية في الأندلس، ولا للخلافة الفاطمية، ولا للخلافة العثمانية.

    وأكثر من ذلك، فإن التجزئة التي مارسها الاستعمار في المغرب، لم تصل إلى حد خلق كيانات داخل المضمون الوطني الوحدوي. بل لقد اضطر أن يحافظ له الاستعمار بموجب عقد الحماية وتحت نضال القوى الوطنية، على وحدة كيانه، حتى الاستقلال.

    وإذا نظرنا إلى ثورة الملك والشعب في السنوات 1953-1956، على ضوء تكوين الدولة الوطنية واستمرارها في المغرب، فإننا سيتبين لنا بسهولة أن مهمة المقاومة، لم تكن إنشاء دولة، فالدولة كانت دوما قائمة وكانت ما تزال كسلطة شرعية معترف بها بموجب عقد الحماية نفسها.

    وعندما اعتدت سلطات الاستعمار الفرنسي على هذه السلطة الشرعية، قامت المقاومة إلى جانب ملكها، من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، إلى استعادة السيادة كاملة. وهكذا على العكس من الكثير من حركات المقاومة والتحرير في إفريقيا التي قامت لتنشأ لم توجد من قبل أوكانت ثم انقرضت ولم تعد الرغبة في إحيائها، في عكس هذا فإن ثورة الملك والشعب في المغرب إنما قامت من أجل استرجاع الشرعية للدولة الوطنية، وفك أسرها من حماية الاستعمار الأجنبي، وعندما أنجزت المقاومة هذه المهمة بعودة محمد الخامس طيب الله ثراه، وإعلان الاستقلال، وضع المقاومون السلاح وسلموه للسلطة الوطنية الشرعية المسترجعة. وعادوا للاندماج في المجتمع كما كانوا من قبل.

    هذا بالنسبة للثابت الأول وأثره على ثورة الملك والشعب.

    2.والثابت الثاني وهو لا يقل عن الثابت الأول أهمية. وهو ثبات وأصالة الخريطة الجغرافية للمغرب أي ما نسميه بالمغرب الأصل الذي يحدده المؤرخون ضمن حدود ثابتة: المحيط الأطلسي غربا والبحر الأبيض المتوسط شمالا، وما وراء ملوية إلى تلمسان شرقا والقبائل الصحراوية جنوبا، أقول القبائل الصحراوية لأن الصحراء لا تعرف الحدود الجغرافية بل الحدود فيها بشرية، تقوم على الولاء و البيعة للسلطة المركزية في المغرب، ضاربة في أعماق الجنوب، والمغرب الشرقي. هذا دون أن نتحدث عن امتدادات دولة المغرب شمالا، وجنوبا، وشرقا، في شكل إمبراطورية مغربية ذات سيادة.

    وواضح أن ثبات وأصالة الخريطة الجغرافية للمغرب الأصل، هو الذي يعطي الدولة المغربية محتواها الوطني، بمعنى أنها تضم كل هذا الوطن الذي يشكله المغرب الأصل، وليس دولة جهة من جهات المغرب الأصل وحدها. فالاعتراف الفعلي للدولة الوطنية في المغرب، لا يتم إلا عندما تصبح عمليا، وفعليا دولة المغرب الأصل كله.

    وإذا نظرنا إلى ثورة الملك والشعب، أي إلى المقاومة وجيش التحرير من زاوية الثابت الثاني، نجد أن الخريطة الجغرافية المغربية التي استرجعت عام 1956 كانت ناقصة جنوبا، سواء الجنوب الغربي أوالجنوب الشرقي بالإضافة إلى "سبتة ومليلية" ولذلك، نجد أن المقاومة التي انتهت مهمتها في جبال الأطلس، والريف، والمدن، لأنها أصبحت كلها مناطق تحت السلطة الشرعية المسترجعة، فإنها بالعكس من هذا، كانت ترى، أن مهمتها في الجنوب لم تنته. وهذا ما يفسر بقاء جيش التحرير، بل انتقاله إلى الجنوب الغربي لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.

    وهكذا استرجعنا إقليم طرفاية وإقليم سيدي افني، ولقد كان بقاء جيش التحرير في الجنوب المغربي والشرقي إلى 1959-1960، تجسيما لإخلاص المقاومة المغربية، ملكا وشعبا، لثوابتها الوطنية التاريخية، وهي استعادة كاملة للرقعة الجغرافية الثابتة للمغرب، وهذا ما دفع الحسن الثاني، بتنظيم المسيرة الخضراء من أجل العمل على استرجاع الأقاليم الصحراوية المغربية.

    3. و الآن ننتقل إلى الثابت الثالث وهو: الشرعية الوطنية للدولة في المغرب، وهو امتداد للثابت الأول المتمحور حول استمرارية الدولة الوطنية في المغرب.

    هناك في المغرب الشرعية الدينية دوما، وهي لم تكن موضوع نقاش، منذ تأسست الدولة الوطنية في المغرب، خصوصا منذ الأدارسة، فالمغاربة كلهم مسلمون، سنيون مالكيون فلا طوائف، ولا أقليات، وإنما شعب واحد، ومذهب ديني واحد، وبالتالي فالدولة دوما دولة إسلامية، سنية وطنية عربية أمازيغية.

    إذن لم تكن الشرعية الدينية، في يوم من الأيام موضوع نقاش، ولكن اكتسابها كان يتطلب دوما الشرعية الوطنية، وهذه الشرعية كانت تكتسب بالبيعة، والبيعة كانت تقوم دائما، إما ضمنيا في ظروف السلم، وإما صراحة في ظروف الأهوال والشدائد، مثال ذلك، تجديد بيعة سكان الصحراء بعد استرجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب في 14 غشت 1979، بعد المسيرة الخضراء المظفرة.

    هذه الشرعية الوطنية، قد ظهرت بارزة في تركيب المقاومة وجيش التحرير، المجسدة لثورة الملك والشعب. لقد تقمصت حركة المقاومة وجيش التحرير، الشرعية الوطنية، هذه الشرعية، التي جعلت منها مقاومة وطنية فعلا، وليست جهوية أوإقليمية. هذه ما يدعونا إلى التساؤل: لماذا لم تنجح المقاومة المسلحة بالمغرب طيلة 28 سنة تقريبا: من 1907 إلى 1934؟

    وبعد استعراضنا مراحل النضال السياسي قبل أوبعد المطالبة بالاستقلال. يتأكد لنا، أن الذي كان ينقص المقاومة المسلحة في الجيل السابق، هو بالدرجة الأولى، الوعي الشعبي، والشعور الوطني الوحودي، إذ لو لم تكن توجد أحزاب سياسية أوهيئات فكرية تعمل على توعية الشعب بمصالحه، وحقوقه، وواجباته. ولم تكن هناك صحف، أوسجلات وطنية، تنشر، لتكوين رأي عام يتابع سير الأمور في الداخل والخارج. لقد كانت حركة المقاومة، وجيش التحرير المجسدة لثورة الملك والشعب، سنوات 1953-1956 تمثل المغرب كله بمختلف مناطقه. ولعل من أهم عوامل نجاحها وفعاليتها، إنها حرصت على أن تكون مقاومة وطنية في كل أجزاء الوطن، لقد حرصت قيادة المقاومة في هذه الفترة على أن يكون لها خلايا وفروع في جميع مناطق المملكة.

    وعندما أسس جيش التحرير في الشمال، ظهر منذ المرة الأولى، كجيش وطني يمثل المغرب كله: من سوس إلى فكيك، إلى الأطلس، إلى دكالة، إلى طنجة، إلى الصحراء...فكان جيش المغرب كله. ولعل هذا ما أدخل الرعب والفزع على المستعمرين. ومن دون شك، فإن هذا كان أهم عوامل نجاح ثورة الملك والشعب. بل إن هذا كان شرطا ضروريا لنجاحها لأن هذا ما منحها الشرعية الوطنية والحماية الشعبية، والتضامن الجماهيري في كل جهات المملكة.

    وهذا أقوى دليل على الفرق الكبير بين مستوى الوعي لدى الشعب في المرحلة الأولى من الاستعمار، وبين ما وصل إليه هذا الوعي بعد سنين طويلة من الكفاح السياسي والتوعية الوطنية.

    4. بقي لنا الثابت الرابع والأخير، وهو الطابع المحارب والمقاوم للدولة المغربية وللشعب المغربي. إذا أخذنا تاريخ المغرب من قديم الزمان إلى حديثه، فإننا نجده تاريخا يتسم بالحروب، والمقاومة، والنضال، حتى أن كثيرا من المؤرخين الأوروبيين أعجبوا وانبهروا أمام هذه الظاهرة الفريدة، فقالوا: "إن تاريخ المغرب هو تاريخ حربي أكثر منه تاريخ اقتصادي أوتاريخ اجتماعي أوتاريخ أدبي".

    إن المغرب، دولة وشعبا يخوض دائما حروبا لا تهدأ، إما في صورة جهاد في الأندلس، أونشر الإسلام في الجنوب (السودان). وإما في صورة دفاع عن النفس وحماية الثغور من المهاجمين من الشرق، كهجومات الأتراك، أومن الغرب والشمال، كهجومات الدول الأوروبية، وعلى الخصوص، إسبانيا والبرتغال.

    هكذا، فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي، أي منذ سقوط الأندلس، أصبح المغرب هدفا لأطماع وانتقام، وغزوات الإسبان والبرتغال الذين ركزوا حملاتهم على الشواطئ المغربية وثغورها.

    ولقد كان على الدولة، وعلى الجماهير المغربية وقيادتها المحلية الدينية والوطنية، رد هجومات المهاجمين، وتحرير النقاط المحتلة هنا وهناك، وكان المغاربة ملوكا وشعبا ينتصرون انتصارات باهرة، كما كانوا ينكسرون انكسارات ساحقة، دون أن يخلدوا إلى الراحة، أوأن يستسلموا، أوأن يشعروا بالذل، ومن أعظم انتصاراتهم، تلك التي حققوها في معركة وادي المخازن الشهيرة التي ذهبت بعز البرتغال...وهكذا كانت المقاومة المغربية مستمرة متواصلة برا و بحرا، منذ القرن الخامس عشر، مما أدى إلى تكوين الوعي الوطني عند المغاربة.

    فانطلاقا من هذا الثابت الذي أبرزنا فيه الطابع المحارب والمقاوم للدولة المغربية وللشعب المغربي طوال تاريخهما، فإننا سنجد أن ثورة الملك والشعب لسنوات 1953-1956 لم تكن حدثا يتيما، ولا طارئا، وإنما كانت حلقة من حلقات المقاومة المغربية على مدى التاريخ، فمنذ أن نزلت الجيوش الأجنبية ما تقدمت شبرا في تراب المغرب، دون أن يدافع عنه المغاربة. وأنه لا يوجد في المغرب شبر من التراب وصل إليه الفرنسيون أوالإسبانيون دون أن يسقيه المغاربة بدمائهم الزكية، هنا، أقدم اعتراف "كيوم" في أحد تقاريره، يقول: "لم تأت قبيلة واحدة بشكل تلقائي، ولم تستسلم قبيلة واحدة دون أن تقاوم، بل بعضها قاوم حتى نفاذ آخر وسيلة للمقاومة".

    وهكذا، كانت ثورة الملك والشعب استئنافا مباشرا لثورة ابن عبد الكريم الخطابي في الريف، وموحى أحمو الزياني في الأطلس، والهيبة في الجنوب... حقا كانت استئنافا لهذه الثورات المسلحة وتجاوزا لها في نفس الوقت...كانت تجاوزا لها، لأنها لم تقيد نفسها بحدود جهة من جهات الخريطة الجغرافية للمغرب، بل كانت ثورة من الجميع إلى الجميع...ولعل هذا ما جعلها تنتهي إلى النصر ولم تنكسر مثلما انكسرت الثورات الجهوية السابقة الذكر.

    وواضح الآن، أن استحضار هذه الثوابت التاريخية وأثرها على نجاح ثورة الملك والشعب، بالإضافة إلى المحددات الظرفية التي سبق أن استعرضناها، بجعل في الإمكان الإجابة بسهولة على السؤال الأساسي الذي ألقيناه من قبل. هذا السؤال يتعلق بالعوامل التي جعلت ثورة الملك والشعب لسنوات 1953-1956 فعالة وعامة، والتي مكنتها من تحقيق النصر في أقرب وقت وبأقل خسارة.

    أما الجواب فواضح، حسب تحليلنا السابق، لأنها تمسكت بالشرعية الوطنية وتقمصتها وعملت في إطارها، فكانت مقاومة المغرب ككل.

    وهكذا، نجحت ثورة الملك والشعب، وعاد محمد الخامس، ومعه استقلال المغرب، وانتهى عهد الحجر والحماية، وبزغ فجر الحرية والاستقلال، وبدأت مسيرة التنمية المستدامة واستكمال الوحدة الترابية للمملكة واسترجاع الصحراء، وفتحت الأوراش الكبرى ورفعت تحديات الإصلاح السياسي، وتبوأت اللغة الأمازيغية مكانتها الطبيعية لأول مرة، إلى جانب اللغة العربية كلغتين رسميتين للبلاد في ظل دستور جديد، الذي هبت به رياح الربيع العربي بخصوصية مغربية متميزة.

    والواقع أن محمد الخامس كان رمز الثورة بمفهومها الشامل، فثورة الشعب المغربي والسلطان محمد الخامس لم تكن فقط لطرد الاستعمار، وإنما كانت من أجل بناء المغرب في إطار تحقيق وحدة ترابه الكاملة. وهذا يتجلى في قولته المشهورة: "إنني عدت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". وهذا الجهاد الأكبر نفذ في عهد الحسن الثاني ومحمد السادس رغم الصراعات والإكراهات المتعددة داخليا وخارجيا التي كانت تعرقل هذا التوجه.

    -----------------
    ذ. بنعيسى احسينات /الخميسات-المغرب

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-05-07, 07:53